أخبار مهمةالأوقافدروس دينيةعاجل

مقال بعنوان: “العبرة من مرور الأيام والأعوام” للدكتور خالد بدير

مقال بعنوان: “العبرة من مرور الأيام والأعوام” للدكتور خالد بدير.

لتحميل المقال بصيغة word  أضغط هنا.

لتحميل المقال بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

 

ولقراءة المقال  كما يلي:    

بالأمس القريب كنا نحتفي ونحتفل بالعام الهجري الجديد؛ وفي هذه الأيام نلتقي مع عام ميلادي انصرم من أعمارنا؛ وهكذا تمر بنا الأيام { وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } ( آل عمران: 140)؛ ففي توالي الأيام والأعوام عبرٌ وتذكرةٌ للمتذكرين, وفي أفول الأزمنة آيات للمتبصرين, سنوات تمضي على العباد, وأيام وشهور تنقضي من الأعمار, والعاقل من جعل هذه الآيات سبيلاً للتفكر, وميداناً رحباً للتبصر. { يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ }؛ ( النور: 44)، أي غفلة أعظم من تمر الأعوام وتنقص الأعمار ولا تتأثر النفوس, ولا تتعظ القلوب؟!

 

إن تقارب الوقت والزمن وسرعة مروره دون فائدة علامة على قرب الساعة، فقد أخرج الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ ” ؛ وفي رواية “وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ الْخُوصَةُ ” أي ورق الجريد اليابس، وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ. قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ الْقَتْلُ” (متفق عليه)؛ فهذه العلامة من علامات الساعة من أوضح العلامات وأظهرها اليوم؛ إذ أننا نشهد وقوعها اليوم ونراها واضحة جلية، فالوقت يمر على الناس بصورة سريعة تدعو للدهشة والتأمل، فلا بركة في الوقت؛ حتى يخيل إلى الواحد أن السنة كالشهر؛ والشهر كالأسبوع؛ والأسبوع كاليوم؛ ولا أصدق من وصف النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حجر: ” قد وجد ذلك في زماننا هذا , فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا .” (فتح الباري)

قلت : كيف لو رأى زماننا اليوم ! فنحن اليوم نشهد بوضوح هذه المعاني لتقارب الزمان فلا يوجد بركة في الوقت وأصبح الناس يتحدثون عن السنوات وكأنها أشهر ناهيك عن الأيام والأسابيع !

 

مضى عام بكل ما يحمل من أحداث وأفراح وأحزان، وجاء عام لا ندري ما الله فاعل فيه ؛ عام كامل تصرَّمت أيامه وتفرقت أوصاله، وقد حوى بين جنبيه حِكَماً وعبراً، وأحداثاً وعظات، فلا إله إلا الله، كم شقي فيه من أناس؟ وكم سعد فيه من آخرين؟ كم من طفل قد تيتم؟ وكم من امرأة قد ترملت؟ وكم من مريض قد تعافى؟ وكم من سليم في التراب قد توارى؟ رأينا أهل بيت يشيعون ميتهم، وآخرون يزفون عروسهم، دار تفرح بمولود، وأخرى تُعَزَّى بمفقود، هنا عناق وعبرات من شوق اللقاء، وهناك عبرات تهلّ من لوعة الفراق، وهذه آلام تنقلب أفراحاً، وأفراح تنقلب أتراحاً. ولنا في مرور الأعوام عبرة! .

 

هذا أحدهم يتمنى دوام يومه ليتلذذ بفرحه وغبطته وسروره، وآخر يتمنى انتهاء يومه ليتخلص من همومه وشروره، أيام تمر على أصحابها كالأعوام، وأعوام تمر على أصحابها كالأيام؛ مضى عام، وهكذا تمر الأيام تسحب وراءها الشهور تجر خلفها السنين ويمر جيل بعد جيل . ولنا في مرور الأعوام عبرة! .

 

 مضى عام ، وكلٌ منا يحتفي ويحتفل بذكرى ميلاده؛ وزيادة عام من عمره؛ والمتأمل المتبصر يعلم أنه قد نقص من عمره عام، ماذا؟!!!

 نعم نقص من عمره عام، فقد يظن البعض أن عمره زاد عاماً فالعام الماضي كنت أبلغ تسعاً وثلاثين سنة، وهذا العام قد بلغت الأربعين فزاد عمري، نقول: لا، بل نقص عمرك يا مسكين!!

يقول بعضهم: كيف يفرح من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟! كيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته ؟!

 

إن الأعمار مضروبة ، والآجال مقسومة، وكل واحد منا قد قسم له نصيبه في هذه الحياة ، فهذا يعيش خمسين سنة، وذاك يعيش ستين سنة، وذاك يعيش عشرين سنة؛ وأنت منذ أن خرجت إلى الدنيا، وأنت تهدم في عمرك وتنقص من أجلك .

أرأيت يا أخي لو أن أنسانا سافر من مدينة إلى أخرى، فإنه كلما قطع مسافة سوف تقصر المسافة التي بينه وبين تلك المدينة التي يريد الذهاب إليها؟!! أرأيت إلى هذا التقويم الذي نضعه فوق مكاتبنا في بداية كل عام، إنه مليء بالأوراق، وفي كل يوم نأخذ منه ورقة واحدة فقط، وفي نهاية العام لا يبقى منه إلا الجلدة فقط .

هكذا عمري و عمرك يا أخي : مجموعة أيام، و مجموعة ليالي، كلما مضي يوم أو انقضت ليلة كلما نقصت أعمارنا، كلما نقص رصيد أيامنا في هذا الحياة حتى ينتهي ذلك الرصيد، ثم نغادر هذه الدنيا . واه لنا ثم واه لنا، ما أشد غفلتنا عن هذه الحقيقة !!

 

إن الإنسان في هذه الحياة الدنيا كمثل المسافر. يقول ابن القيم – رحمه الله – : الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين, وليس لهم حط رحالهم إلا في الجنة أو في النار؛ والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقّة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذّة وراحة, إنما ذلك بعد انتهاء السفر. ( الفوائد )

هناك وقفة جميلة تفكرت فيها بين ولادة الإنسان ووفاته، فالمولود حين ولادته يؤذن في أذنه اليمنى وتقام الصلاة في اليسرى، ومعلوم أن كل أذان وإقامة يعقبهما صلاة، فأين الصلاة؟!!!

 

أقول: صلاة الجنازة ليس لها أذان ولا إقامة؛ لأنه قد أذن وأقيم لها عند ولادتك؛ والفترة التي بين الأذان والإقامة والصلاة كفترة عمرك في الدنيا!!

اعلم أن انصرام عام يعني انصرام بعضك كما قال الحسن البصري: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك”. وقال: “يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسِن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك، وكذلك ليلتك”. وقال: “الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غداً فلعلّك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه”. فكل يوم يمر عليكم تزدادون بعدا من الدنيا وقربا من الآخرة فاعملوا وتزودوا لها ؛ قال علي بن أبي طالب: ارتحلت الدنيا مدبرة ؛ وارتحلت الآخرة مقبلة ؛ ولكل واحدة منهما بنون؛ فكونوا من أبناء الآخرة؛ ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل .

لذلك كانوا لا يندمون إلا على فوات الوقت الذي لم يرفعهم درجة، قال ابن مسعود: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي”.

 

فهيا قبل أن تندم ولا ينفع الندم؛ فقد وقف الحسن البصري على جنازة رجلٍ فقال لصاحب له يعظه: تُرى هذا الميت لو رجع إلى الدنيا ماذا يصنع؟! قال: يكثر من الطاعات؛ قال له الحسن: قد فاتته فلا تفتك أنت!! أقول لكم أيها المسلمون: قد فاتت من كان قبلكم؛ والفرصة ماثلة أمامكم فماذا أنتم فاعلون؟!!

 لذلك شكى وبكى الصالحون والطالحون ضيقَ العمر، وبكى الأخيارُ والفجارُ انصرامَ الأوقات، فأما الأخيارُ فبكوا وندموا على أنهم ما تزودوا أكثر، وأما الفجارُ فتأسفوا على ما فعلوا في الأيامِ الخالية. فعن أَبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلَّا نَدِمَ. قَالُوا وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَزَعَ” (الترمذي وابن المبارك في الزهد بسند ضعيف)؛ ويوم القيامة تندم وتقول: { يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} ( الفجر: 24)، قال: لـ(حياتي) .. ولم يقل: (في حياتي)..كأن حياته لم تبدأ بعد..الحياة الحقيقية هي الآخرة.. يقول: الإمام الفخر الرازي: ( يا ليتني قدمت  ) في الدنيا التي كانت حياتي فيها منقطعة لحياتي هذه التي هي دائمة غير منقطعة ، وإنما قال : ( لحياتي  ) ولم يقل : ” لهذه الحياة ” على معنى أن الحياة كأنها ليست إلا الحياة في الدار الآخرة ، قال تعالى : { وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}. [ العنكبوت : 64 ] أي لهي الحياة .( مفاتيح الغيب )

فإياكم وضياع الوقت فيما لا فائدة فيه؛ يقول ابن القيم: “إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها”. ويقول الفضيل بن عياض لرجل: كم أتى عليك ؟ قال : ستون سنة . قال : فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ . فقال الرجل : إنا لله وإنا إليه راجعون . قال الفضيل: أتعرف تفسيره تقول : إنا لله وإنا إليه راجعون !! فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسئول، فليعد للسؤال جوابا، فقال الرجل: فما الحيلة ؟ قال: يسيرة . قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخذت بما مضى وما بقي والأعمال بالخواتيم .

ودخل شيخ من الأزد على معاوية، فقال: اتق الله يا معاوية، واعلم أنك كل يوم يخرج عنك، وفي كل ليلة تأتى عليك لا تزداد من الدنيا إلا بعداً، ومن الآخرة إلا قرباً، وعلى إثرك طالب لا تفوته، وقد نصب لك علم لا تجوزه، فما أسرع ما تبلغ العلم، وما أوشك أن لحقك الطالب، وإنا وما نحن فيه وأنت زائل، والذي نحن صائرون إليه باق، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

 

إن الأعوام التي تنصرم سنسأل عنها أمام الله ، فعن معاذ بن جبل أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: ” لنْ تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَعِ خِصالٍ عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ ؟ وعَنْ َمالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فيهِ .” [الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح]. وأخبر النبي – صلى الله عليه وسلم- أن الوقت نعمة من نعم الله على خلقه ولابد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت. وشكر نعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات، واستثمارها في الباقيات الصالحات، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ” [البخاري ] .

 يقول ابن حجر: ” أشار بقوله ” كثير من الناس” إلى أن الذي يوفق لذلك قليل.

 وقال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون.”(فتح الباري).

فهيا نشغل أوقاتنا بالطاعة والعمل الصالح النافع في الدنيا والآخرة قبل أن نندم ولا ينفع الندم !!

أسأل الله أن يبارك لكم في أعماركم ؛؛؛

كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

                                                                                                                                  د / خالد بدير بدوي   

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »